السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي
في عصر اضطربت فيه النظم العالمية، وعجزت عن إيجاد السلام والرخاء لشعوب العالم ،و اجتاحت العولمة كل ثقافات الشعوب تريد القضاء عليها و تمييع خصوصياتها ,في كل هذه الظروف نحتاج إلى الرجوع إلى تعاليم الله الصافية الخالصة من الترجيف والتلاعب .
و من هنا تأتي أهمية السنة النبوية في هذا العصر إذ هي ثانية مصادر التشريع الإسلامي ، وهي أوسعها فروعاً و أكثرها تبيينا لشريعة الإسلام و خصائصه المميزة ففيها العناية بشرح كتاب الله وما جاء فيه من القواعد العامة في التشريع والأحكام و الأخلاق و الآداب .
ولكن ما هو تعريف السنة ؟ وما هي جهود العلماء في تنقيتها وتصحيحها ؟و لماذا تطالعنا بين الحين و الآخر هجمات تتكرر في كل زمان لتنتقص من السنة و تحجم من أهميتها و تضيق من مكانها و شموليتها ؟
و الطعن في السنة قديم متجدد , وكلما علت هذه الموجة قُيض لها من يُحبطها و يدافع عنها , فلقد تعرضت السنة إلى العديد من الشبهات والخصومات من قبل الشيعة والخوارج والمعتزلة والمتكلمين وغيرهم ...فكان من الواجب أن يلتفت المسلم إلى ما جاء في هذه الشبهات والردود عليها ، لما في ذلك من حفاظ على الدين بالحفاظ على مصدر عظيم من مصادره ، وبالذود عنه تجاه ما حاول الملتصقون بالإسلام أن يجعلوه من السنة ، أو إنكار بعض ما جاء في السنة عن طريق تكذيب الصحابة الكبار رضوان الله عليهم و الانتقاص من أمانتهم و مكانتهم .
و وهذا الكتاب واحد من الكتب التي تنافح عن السنة وتدافع عنها , فيناقش الكاتب العلامة مصطفى السباعي - رحمه الله تعالى - ما أورده المتحاملون على السنة بروح علمية هادئة ، يُظهر بها وجه الحق، و يجلي مكانة السنة و أهميتها بالأدلة و الحجج الكثيرة .
و الكتاب يشتمل على مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة .
المقدمة : الطعن في السنة قنطرة الطعن في الإسلام
و يبين المؤلف فيها ما دفعه إلى الكتابة في هذا الموضوع وهو نهوض شرذمة ممن تدعي العلم والمعروفة ببذاءة قولها وصريح جهلها للنيل من السنة النبوية بالتشكيك في رجالها و الطعن في حملتها و رواتها فكان من الواجب الذود عن السنة ضد من يتحامل عليها متخذا الطعن فيها وسيلة للطعن في الإسلام كله جملة و تفصيلا .
الباب الأول :المنهج النقدي عند المحدثين
وفيه فصول أربعة تدور كلها حول ما يتعلق بالسنة من بيان معناها وتعريفها وموقف الصحابة منها , ثم يتكلم المؤلف عن وضع الحديث وجهود علماء المسلمين في تتبع الحديث النبوي وبيان صحيحه من سقيمه , مبيننا ذلك المنهج العظيم الذي أقامه المحدثون من علم مصطلح الحديث و علم الجرح و التعديل و علم طبقات الرواة الذي ضمن للمسلمين بقاء إسلامهم على نقائه الأول مخلصين إياه من كل شوائب الوضع و التحريف.
الباب الثاني :رد المطاعن قديما و حديثا
وهو فيما تعرضت السنة من شبه وخصومة , وهذا الباب يكاد يكون صلب الكتاب وغاية المؤلف من وضعه ,
- فهو يتابع شبه المنحرفين من أول فرية في زمن الشيعة والخوارج ,
- ثم لدى بعض علماء الكلام كالمعتزلة الذين يحكمون العقل قبل النقل , فضلوا وأضلوا
- ثم يتابع كل من أنكر حجية السنة قديما وحديثا مستعرضا كل مطاعنهم.
فيتتبع العلامة السباعي رحمه الله تعالى هذه المفتريات ويرد عليها ردا علميا موضوعيا مبينا كذبها و افتراء أصحابها على الإسلام
وفي نهاية الباب يبين موقف المستشرقين في العصور المتأخرة ومن سار في ركابهم من العرب و المسلمين تجاه السنة المطهرة , ويفند مزاعمهم ويدحض مفترياتهم .
الباب الثالث :القرآن و السنة
و فيه ثلاثة فصول تدور كلها حول مكانة السنة في التشريع الإسلامي , وبيان مرتبتها بالنسبة للقرآن الكريم , ومدى علاقة الأحكام الشرعية بين الكتاب والسنة , وبيان الناسخ والمنسوخ منها , وأن السنة كيان تشريعي متكامل مع القرآن لا تنفصل عنه و لا سيتغني عنها .
الخاتمة : حياة أئمة الحديث خير شاهد على عظمته
ويفرد المؤلف فيها ترجمة لعشرة من الأئمة المشهورين مبيننا جهودهم العظيمة في خدمة السنة و الحديث.
و بعد فهذا الكتاب مهم في موضوعه لا يستغني عنه باحث في السنة و علومها لما حواه من علم صاحبه و جهده الكبير الذي بذله في الكتاب و نال به شهادة الدكتوراة من الأزهر الشريف .
هذا إلى ما يمتاز مؤلف الكتاب من لغة جميلة و عبارة نيرة و أسلوب فصيح جزل واضح اتسم به في جمع كتبه .
أضف على ذلك ما اشتهر به العلامة السباعي من فكر حر و علم أصيل أكسبه مكانته الفريدة بين عمالقة الفكر الإسلامي في العصر الحديث .
والكتاب فيما نحسب مناسب لطلبة العلوم الشرعية والدعاة بعامة ليكونوا على بينة ممن يثير الشبه و المطاعن في العصر الحديث ضد السنة و لمعرفة خفايا هذه المطاعن و الأسلوب الأمثل في مواجهتها و الرد عليها .